عبيد الله عضو جديد
عدد المساهمات : 25 نقاط : 5667
| موضوع: ما صح في ليلة النصف من شعبان(تابع) الخميس أغسطس 06, 2009 4:24 am | |
| فإذن؛ ليس معنى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم دَلَّنَا على أنَّ ليلةَ النصفِ ليلةٌ شريفةٌ يعطي فيها اللهُ ربُّ العالمينَ من قبساتِ أنوارِ رَحَمَاتِهِ خَلْقَهُ, وأنَّ اللهَ تبارك وتعالى لا يُفيضُ هذا العطاءَ على المشركينَ ولا على المشاحنين, وإنما جمعَهُمَا في قرنٍ, ويا بؤسَ ما جُمِع, وقد جعلَ اللهُ ربُّ العالمين المشركَ مع المشاحنِ في خندقٍ واحدٍ, فلا يغفرُ اللهُ ربُّ العالمين في ليلةِ النصفِ - مع عمومِ المغفرةِ لجميعِ أهلِ الأرضِ - لا يغفرُ لمشركٍ ولا لمشاحن, مَنْ عندَهُ البغضاءُ في قلبِهِ, ومَنْ انطوى صدرُهُ على الغِلِّ والحقدِ والحسدِ فهذا بِمَبْعَدَةٍ عن المغفرةِ.
وفي ((صحيح سنن ابنِ ماجه)) عن عبدِ الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: «قيل للنبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: من أفضلُ الناس؟ فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: كلُّ مَخْمُومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ - كلُّ مخمومِ القلب صدوق اللسان هذا أفضلُ الناس -, فقالوا: يا رسولَ اللهِ صدوق اللسان عرفناه, فما مخمومُ القلب؟ قال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هو التَّقِيُّ النَّقِيُّ الذي لا إثمَ فيه ولا بغي ولا غِلَّ فيه ولا حسد».
فأفضلُ الأعمالِ عند اللهِ ربِّ العالمين وأفضلُ الخلقِ عند اللهِ جلَّ وعلا سلامةُ الصدرِ ومَنْ كان عن الغِلِّ والحسدِ مُنَزَّهًا, ومِنْ ذلك مُبَرَّئًا, وأمَّا مَنْ انطوى قلبُهُ على شيءٍ من ذلكَ فهو بِمَبْعَدَةٍ من المغفرةِ في ليلةِ النصفِ من شعبان مع عمومِ المغفرةِ لأهلِ الأرضِ, إلا للمشركِ الذي يشركُ باللهِ ربِّ العالمين مَعَهُ غَيرَهُ فإنَّ ذلك لا يُغْفَرُ بحالٍ من الأحوالِ لا دنيا ولا آخرة, إذا ما ماتَ على ذلكَ ولم يَتُبْ منه مُنِيبًا مُوَحِّدًا, وكذلك الذي انطوى قلبُهُ على الشحناءِ, على البغضاء, على الغِلِّ, على الحسد, فهذا متروكٌ مُهْمَلٌ, وهذا بِمَبْعَدَةٍ أنْ ينالَهُ شيءٌ مِنْ عمومِ المغفرةِ التي تتنزلُ على الخَلْقِ في ليلةِ النصفِ من شعبان.
هذا ما صحَّ في هذه الليلةِ لا ما يذهبُ إليه الشيعةُ, ولا ما يتقصى على آثارِهِم فيه قَصًّا المتصوفةُ, إذ يجتمعونَ في المساجدِ في ليلةِ النصفِ في صلاةِ المغربِ, يقومُ قائمُهُم بعدَ الصلاةِ يُصَلُّونَ ما يُسَمَّى بصلاةِ الرَّغَائِبِ! وهي في ليلةِ النصف! وفي أولِ رَجَب! وهي صلاةٌ أَلْفِيَّةٌ لمن استطاعها منهم وكان في بدعتِهِ جَلْدًا وعليها مُقِيمًا, ويُصَلُّونَ مِئَةَ ركعةٍ, كلُّ ركعةٍ تُصَلَّى بسورةِ الإخلاص عَشْرًا عَشْرًا فهذه ألفٌ فهي صلاةٌ ألفية, لم يَتَّبِعْهَا ولم يأخذ بها ولم يفعلْهَا خيرُ البَرِيَّةِ ولا أحدٌ من أصحابِهِ رضوان الله عليهم, وإنَّما هي عملٌ مُحْدَثٌ مُبْتَدَعٌ!
ويا الله! العجب كيف يُتَقَرَّبُ إلى اللهِ ربِّ العالمين بما لم يَشْرَع؟!
وكيف يُتَقَرَّبُ إلى اللهِ ربِّ العالمينَ بالضلالةِ؟!
وهذا نبيُّكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم صَحَّ عنه قولُهُ: «كُلُّ بدعةٍ ضلالة, وكُلُّ ضلالةٍ في النارِ». فلم يستثنِ من ذلك شيئًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وإنَّما جَمَعَ ذلك إلى ذلك فهو حَصَبُ النارِ - نسألُ اللهَ السلامةَ والعافيةَ -.
وأخرج الطُّرْطُوشِيُّ - رحمه الله - في كتاب ((الحوادث والبدع)) أنَّه سَمِعَ من أبي محمدٍ المقدسي رحمه الله - الإمام - قال: إنَّ أولَ ما أُحدثت صلاةُ الرَّغَائِبِ التي تُصلَّى في أول رَجَب وفي النصفِ من شعبان أول ما أحدثت في أول سنةِ أربعٍ وثمانيينَ وأربعمائةٍ من هجرةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم, - قال - قَدِمَ علينا ببيتِ المقدسِ رَجُلٌ يُقال له (ابنُ أبي الحمراء) فدخلَ المسجدَ الأقصى, وكانَ حسنَ الصوتِ؛ فصلَّى بعدَ صلاةِ المغربِ فائتمَ به رجلٌ وأَحْرَمَ بعد ذلك وراءَهُ ثانٍ, فما فرغَ مِنَ الصلاةِ حتى كانت جماعةً عظيمة, ثم جاءَ مِنَ السَّنَةِ التي تلت فصلَّى كما صلَّى في السَّنَةِ الفائِتَةِ, ثم استطابت عندنا في بيتِ المقدسِ تلكَ الصلاةِ, يُصَلِّيهَا النَّاسُ في مساجدِهِم, ويصلونها في دُورِهِم وفي بيوتِهِم. فهذا أول العهد بإحداثِ تلك البدعة في القرنِ الخامسِ من هجرةِ النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وبعد القرونِ الثلاثةِ المُفَضَّلَةِ, وما لم يكن يومئذٍ دِينًا فلنْ يكونَ في يومٍ مِنَ الأيامِ دِينًا.
وأمَّا الدعاءُ الذي يُنسبُ إلى عبدِ اللهِ بن مسعودٍ - رضي الله عنه وأرضاه - فهو منه بريءٌ, وهو منه بَرَاء, وعبدُ اللهِ أَجَلُّ وأعظمُ عند اللهِ ربِّ العالمينَ مِنْ أنْ يتورطَ - ولا أحدٌ مِنَ الأصحابِ رضوان الله عليهم - في الافتئاتِ على الشَّرْعِ الأَغَرِّ وفي الإتيانِ بالإِحْدَاثِ في دِينِ اللهِ ربِّ العالمينَ وبإلصاقِ شيءٍ بِدِينِ محمدٍ الأمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وما خانَ أمينٌ قط, ولكن ائتُمِنَ غيرُ أمينٍ فخَان, ولا يُؤتَى النَّاسُ قط مِنْ قِبَلِ علمائِهِم وإنَّما يُسْتَفْتَى غيرُ عالمٍ فَيُفْتِي بالخطأ - لا بالصوابِ - وحينئذٍ يُؤتَى النَّاسُ كذلك كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ عبدِ اللهِ ابن عمرو الذي أخرجَهُ الشيخان: «إنَّ اللهَ لا يقبضُ العِلْمَ انتزاعًا ينتزعُهُ مِنَ النَّاسِ, وإنَّما يقبضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلماءِ, حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا, فَأَفْتَوا بغيرِ عِلْمٍ, فَضَلُّوا وأَضَلُّوا».
هذا الدعاءُ الذي يأخذُ به النَّاسُ في ليلةِ النصفِ من شعبان, يحسبونَ تَبَعًا للشيعةِ وللضُّلَالِ ممن حادوا عن صراطِ محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّ ليلةَ النصفِ من شعبان هي التي أنزلَ اللهُ ربُّ العالمينَ فيها قوله: ﴿حم*وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾[الدخان :1- 2], ثم يقولُ ربُّنا تبارك وتعالى ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[الدخان :3- 4], فيظنُّ الظَّانُّ أنَّ هذه الليلةَ المباركةَ هي ليلةُ النصفِ من شعبان, وليس كذلك؛ لأنَّ اللهَ ربَّ العالمينَ لمَّا ذَكَرَ القرآنَ العظيمَ بعدما ذَكَرَ ما ذَكَرَ مِنَ الحروفِ المُقَطَّعَةِ تَحَدِّيًا للعربِ بهذا القرآنِ العظيم وهم أربابُ الفصاحةِ وأُولُوا البيان, ثم بَيَّنَ اللهُ ربُّ العالمينَ أنَّ هذا القرآنَ العظيمَ إنما تكلمَ اللهُ ربُّ العالمينَ به من هذه الحروف التي عندكم مَعْشَرَ البُلَغَاءِ وأهلَ الفصاحة, اللهُ ربُّ العالمينَ جَعَلَ هذا القرآن, اللهُ ربُّ العالمينَ أنزلَ هذا القرآن, اللهُ ربُّ العالمينَ تَكَلَّمَ بهذا القرآنِ العظيم هكذا, ويتحداكم به وعندكم أَبْجَدِيَّتُكُم, فإنْ كنتم صادقينَ حقًّا فلتُقْبِلُوا عليها ولْتَقْبَلُوا التَّحَدِّي, ولْتَأْتُوا بِمِثْلِ أقصرِ سورةِ منه. | |
|