عبيد الله عضو جديد
عدد المساهمات : 25 نقاط : 5667
| موضوع: ماصح في ليلة النصف من شعبان (تابع) الخميس أغسطس 06, 2009 4:26 am | |
| ثم ذكرَ القرآنَ العظيمَ - الكتابَ المبين -, ثم قالَ ربُّنا جَلَّ وعَلَا: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾, فعادَ الضميرُ إلى القرآنِ المذكورِ, إلى الكتابِ المبينِ, إلى الذِّكْرِ الحكيم, ثم قالَ ربُّنا جَلَّتْ قدرتُهُ: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[القدر : 1], ولم يأتِ ربُّنا تبارك وتعالى هاهنا بهذه الكِنَايَةِ ذَاكِرًا قَبْلَهَا ما تعودُ عليه ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[القدر : 1], فالضميرُ في ﴿أَنزَلْنَاهُ﴾ ضميرُ النَّصبِ, ضميرُ المفعولية لا ضميرُ الفاعليةِ ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾, ربُّنا جَلَّ وعَلَا ﴿أَنزَلْنَاهُ﴾ أي: القرآنَ العظيم, هذا القرآنُ العظيمُ ضميرُهُ هاهنا ضميرُ النَّصبِ, هاهنا ضميرُ المفعوليةِ, في قولِهِ تعالى: ﴿أَنزَلْنَاهُ﴾ على أيِّ شيءٍ يعودُ وليس هنالك من مذكورٍ قبلَهُ يعودُ إليه ويرجعُ عليه؟ وإنَّما جعلَ اللهُ ربُّ العالمينَ ذلك كذلك, وجَعَلَ اللهُ ربُّ العالمينَ هذا الذي يُعَادُ عليه - وهو القرآنُ العظيمُ - مُسْتَغْنِيًا عن الذِّكْرِ لِشُهْرَتِهِ, ومُسْتَغْنِيًا عن الذِّكْرِ لِذِكْرِهِ وعَظَمَتِهِ, فقال ربُّنا جَلَّ وعَلَا - إذ لا يَلْتَبِسُ ذلك على فَهْمِ أحدٍ, ولا يدخلُ ذلك بِاللَّبْسِ على عقلِ أحدٍ -: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾, ويسمعُ السَّامِعُ فَيَفْهَمُ أنَّ المَعْنِيَّ هاهنا بالإِنْزَالِ هو القرآنُ العظيم ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ*لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ*تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ*سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾[القدر : 1-5], فهذه الليلةُ ليلةٌ ذاتُ قَدْرٍ, ذاتُ شَرَفٍ, أو هي ليلةٌ ذاتُ تقديرٍ؛ إذ القَدْرُ هو التقديرُ كما قال ربُّنا جَلَّ وعَلَا في مطلعِ سورةِ الدُّخَان: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ*فِيهَا﴾ - أي: في تلك الليلةِ المباركةِ - ﴿يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[الدخان : 3-4].
إذ جَعَلَ اللهُ ربُّ العالمينَ التقديرَ الأزليَّ - التقدير الأزلي - الذي كَتَبَ اللهُ ربُّ العالمينَ فيه مقاديرَ الخلائِقِ قبلَ أنْ يَخْلُقَ اللهُ ربُّ العالمينَ السماواتِ والأرض بخمسينَ ألفَ سنةٍ, كما في الحديثِ الصحيحِ: «إذ خَلَقَ اللهُ ربُّ العالمينَ أولَ ما خَلَقَ القَلَمَ, فقال له: اكتب. قال: ما أكتب أي ربِّ؟ قال: اكتبْ مقاديرَ الأشياءِ إلى يومِ القيامةِ», فجرَى القلمُ بما هو كائنٌ بما سبقَ في عِلْمِ اللهِ ربِّ العالمينَ, وعِلْمُ اللهِ جَلَّ وعَلَا سابقٌ لا سائقٌ, لا يستلزمُ الجَبْرَ ولا يكونُ له لازمًا وإنَّما هو صفةُ انكشافٍ, فكَتَبَ القَلَمُ ما هو كائنٌ قبل خَلْقِ السماواتِ والأرض بخمسينَ ألفَ سَنَةٍ, ثم جَاءَ بعد ذلك التقديرُ الحَوْلِيُّ بعد التقديرِ العُمُرِيِّ الأول والتقديرِ العُمُرِيِّ الثاني, ثم أتى بعد ذلك التقديرُ اليومي, وفي هذا الذي ترى من هذا التقديرِ الحَوْلِيِّ يقولُ اللهُ جَلَّ وعَلَا في كتابِهِ العظيم: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[الدخان : 4], يعني: في ليلةِ القدرِ في ليلةٍ ذاتِ قدرٍ وشرفٍ, وفيها يصيرُ من كان خاملًا أرادَ اللهُ ربُّ العالمينَ له الرِّفْعَةَ, وأرادَ اللهُ ربُّ العالمينَ له العِزَّةَ, وأرادَ اللهُ ربُّ العالمينَ به العطاءَ والحبورَ, فهذا يصيرُ ذا قدرٍ من بعدِ ضَعَتِهِ ومن بعد تَنَزُّلِهِ, وفيها يتزوجُ الخَلْقُ ما يتزوجون بينها ثم يُولدُ لهم, وإنَّ الواحدَ منهم قد نَزَلَ الإذنَ بقبضِ رُوحِهِ في تلك الليلةِ فلا يدورُ الحولُ حتى يكون ما يكون, وما يحجُّ من حَاجٍّ ولا يعتمرُ من معتمرٍ إلا وكُلُّ ذلك يجعلُهُ ربُّ العالمينَ في النسخةِ الحوليةِ التي تتنزل بها الملائكةُ المُكَرَّمُونَ من اللوحِ المحفوظِ, ثم ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾[الرحمن : 29], تقديرٌ يومي ويُبدي ربُّك جَلَّ وعَلَا في كونِهِ ما يشاءُ وهو على كلِّ شيءٍ قدير.
في التقديرِ العُمُرِيِّ الأول الذي يحدثُ مرةً واحدةً في العُمُرِ - وقد حدث -, إذ حدثَ في عالم الذَّرِّ ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾[الأعراف : 172], فاللهُ ربُّ العالمينَ أشهدنا في عالم الذرِّ على أنفسِنَا فهذا هو التقدير العُمُري الأول.
و أما التقدير العُمُري الثاني ففي جوفِ الرَّحِمَ بعد أربعينَ في أربعين في أربعين, فيأتي المَلَكُ ويكتبُ ما شاءَ اللهُ ربُّ العالمينَ, ثم في هذا التقديرِ السنويِّ يذهب كثيرٌ من الخَلْقِ جَهْلًا - وربما لا قصدَ فيه, وإنَّما هو من سوءِ تَلَقِّي العلم والاضطرابِ فيه - يذهبونَ إلى أنَّ ذلك إنَّما يكونُ في ليلةِ النصفِ من شعبان, وإنَّما هو في الحقيقةِ في ليلةِ القدرِ من رمضان ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ - أي: القرآنَ العظيم - ﴿فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾[الدخان : 3], ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾[القدر : 1], ثم ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[الدخان : 4] من أمرِ هذا التقديرِ.
فيقفُ الواقفُ في مسجدٍ من مساجدِ المسلمينَ يُقْبِلُ على اللهِ ربِّ العالمينَ - بِزَعْمِهِ! -: اللهمَّ! يا ذا المنِّ و لا يمن عليه, ويا ذا الفضل! ولا يُتَفَضَّلُ عليه إن كنت قد كتبتني عندك في أمِّ الكتابِ شَقِيًّا أو مطرودًا أو محرومًا فامحُ ذلك وأثبت غيره!!
إلى غير ذلك مما يتشدقونَ به وليس كذلك | |
|