عبيد الله عضو جديد
عدد المساهمات : 25 نقاط : 5667
| موضوع: ما صح في ليلة النصف من شعبان(تابع) الخميس أغسطس 06, 2009 4:30 am | |
| الخطبةُ الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ صلاةَ وسلامًا دائمينِ متلازمينِ إلى يومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ:
فقد أخرجَ أبو داودَ والنَّسَائي وغيرُهُمَا عن الحِبِّ ابن الحِبِّ أسامةَ بن زيدٍ رضي الله عنه وعن أبيه وعن أُمِّهِ أمِّ أيمنَ حاضنةِ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم, وأيمن هو أخو أسامةَ لِأُمِّهِ رضي الله عنه وعن أُمِّهِ وعن أبيه قال: «قلتُ للنبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ما لي أراكَ تصومُ في شهرِ شعبانَ ما لا تصومُ في غيرِهِ من الشهورِ - يعني خَلَا رمضان -؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هذا شهرٌ يَغْفُلُ عنه أكثرُ النَّاسِ بينَ رجبٍ ورمضانَ, تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى اللهِ جَلَّ وعَلَا؛ فأنا أحبُّ أنْ يُرْفَعَ عملي فيه وأنا صائمٌ».
هذا حديثٌ صحيحٌ ثابتٌ يوضحُ فيه النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنَّ الأعمالَ تُرفعُ الرفعَ السنويَّ, تُرفعُ الأعمالُ رفعًا يوميًّا كما هو معلوم إذ يتعاقبونَ فيكم بالليلِ والنهارِ ملائكةٌ كما أخبرَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم في صلاةِ الصبحِ وفي صلاةِ العصرِ, تُرفعُ الأعمالُ إلى اللهِ ربِّ العالمينَ هكذا يوميًّا, ثم تُعرضُ على اللهِ ربِّ العالمينَ كما مَرَّ في حديثِ مسلمٍ وغيرِهِ أنَّها تُعرضُ على اللهِ ربِّ العالمينَ, ويغفرُ اللهُ ربُّ العالمينَ إلا لمشركٍ ورَجُلٍ كانت بينَهُ وبينَ أخيهِ شحناء فيقولُ اللهُ جَلَّ وعَلَا: أَجِّلَا هذين - أَنْظِرَا هذين - حتى يَصْطَلِحَا, فهذا عرضٌ أسبوعيٌّ في كُلِّ يوم اثنين وخَميس.
ثُمَّ يأتي العَرْضُ السَّنَوِيُّ على ربِّ العِزَّةِ بأعمالِ خَلْقِهِ - جَلَّ وعَلَا - في شهرِ شعبان كما أخبرَ خليلُ الرَّحمنِ محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: هذا شهرٌ يَغْفُلُ عنه أكثرُ النَّاسِ إذ إنَّه يقعُ بينَ رجبٍ, وهو شهرٌ مِنَ الأشهرِ الحُرُمِ, والعربُ كانت حتى في جاهليتِهَا تقدسُ وتحترمُ الأشهرَ الحُرُم - فكيف واللهُ ربُّ العالمينَ نَصَّ على أنَّها حُرُمٌ بِحُرْمَةِ اللهِ ربِّ العالمينَ إلى أنْ يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها؟! -, فالعربُ كانت تُقَدِّسُهُ في الجاهليةِ, والمسلمونَ أشدُّ معرفةً لقدرِ الأشهرِ الحُرُمِ في هذا الإسلامِ العظيمِ, فالنَّاسُ يعرفونَ قَدْرَ شَهْرِ رجب, وأمَّا شهرُ رمضان فإنَّه شهرُ القرآنِ, وشهرُ القيامِ والذكرِ, وشهرُ الصيامِ, وهو شهرٌ معلومُ الفضيلةِ عند النَّاسِ كافةً, وأمَّا هذا الشهرُ شهرُ شعبان - وما سُمِّيَ شعبانَ إلا لأنَّهُم كانوا يتشعبونَ فيه في أمرِ الغزوِ إذ يخرجونَ مِنَ الشهرِ الحَرَامِ متعطشينَ إلى سفكِ الدماءِ كما كانَ الشأنُ في الجاهليةِ؛ فسُمِّيَ شعبان لهذا الأمرِ الذي مَرَّ ذِكْرُهُ - فيقولُ نبيُّنا صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنَّ هذا الشهرَ يقعُ بينَ شهرين معلومي القدرِ, معروفي الفضلِ عند النَّاسِ كافةً, وعليه فيغفُلُ عنه أكثرُ النَّاسِ, ثم إنَّه تُعْرَضُ فيه الأعمالُ وتُرْفَعُ, وأنا أحبُّ أنْ يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ, هذا كلامُهُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وإذا كانَ عملُهُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو العملُ الذي تتشرفُ به الإنسانيةُ, وتفخرُ به البشريةُ, والذي لا تجدُ فيه هَنَةً مِنَ الهَنَاتِ, ولا تجدُ فيه - حاشا لله - سقطةً مِنَ السَّقْطَاتِ, ومَعَ ذلكَ يُحِبُّ مع كمالِ تمامِ عملِهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنْ يرفعَ هذا العملُ العظيمُ إلى اللهِ ربِّ العالمينَ وهو صائمٌ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -.
في حالةٍ مِنْ حالاتِ شرفِ النَّفسِ معلومة لكل من كان صائمًا بالحقيقةِ, لكل مَنْ صامَ قلبُهُ وصامت جوارحُهُ تَبَعًا فصامَ تَصَوُّرُهُ وصامَ فكرُهُ وصامَ يقينُهُ عن الوقوعِ في كلِّ ما يُغْضِبُ اللهَ جَلَّ وعَلَا, لكل مَنْ كان صائمًا يعلمُ حالةَ شرفِ النَّفسِ التي تكونُ عليها النَّفسُ وشرفِ الروحِ عندما تكونُ موصولةً باللهِ ربِّ العالمينَ قاطعةً حاسمةً لمادةِ اللَّذةِ التي تجري في العروقِ بالشهواتِ لكي تصفوَ النفسُ مقتربةً من ربِّ الأرضِ والسماواتِ.
يُحِبُّ نبيُّكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم مَعَ كمالِ تمامِ عملِهِ أنْ يُعِرَضَ عملُهُ على اللهِ ربِّ العالمينَ وهو صائمٌ, فكيف بِمَنْ عملُهُ بجوارِ عملِ نبيِّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كَحَبَّةٍ من رَمْلٍ في صحراءَ متراميةِ الأطرافِ لا يبلغُ الطرفُ مَدَاهَا, ولا تنتهي القدمُ إلى مُنْتَهَاهَا؟
فكيف بِمَنْ عملُهُ بجوارِ عملِ نبيِّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم كقطرةٍ في بحرٍ أو أقل؟
كيف والنِّسْبَةُ هاهنا غيرُ معقولةٍ ولا مفهومةٍ؟!
كيف لا يُحِبُّ المرءُ ولا يحرصُ الإنسانُ أنْ يُعْرَضَ عملُهُ في هذا الشهرِ على اللهِ ربِّ العالمينَ وهو صائمٌ كما كانَ الشأنُ عند نبيِّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟
ونعودُ لما بدأنا به مِنْ أمرِ أحاديثِ نبيِّنَا صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي صَحَّتْ في ليلةِ النصفِ من شعبان, فإنَّ العبادةَ العظيمةَ في ليلةِ النِّصفِ لم يأتِ بها أثرٌ مِنْ كتابٍ ولا مِنْ سُنَّةٍ, ولا مِنْ هَدْيِّ صاحبٍ ولا إجماعِ أُمَّةٍ, ولم يأتِ بها شيءٌ مِنَ الآثارِ ولو كانتْ ضعيفةً منقوصةً أنها تُخَصُّ بقيامٍ, أو أنَّها تُخَصُّ بعبادةٍ بِعَيْنِهَا دونَ ما يفعلُ الإنسانُ في سائرِ ليالِيهِ إنْ كانت تلكَ عادتُهُ, وإنْ كانَ كذلك دَأْبُهُ وكذلك يسيرُ مع اللهِ ربِّ العالمينَ باحثًا عن مَرْضَاةِ رَبِّهِ جَلَّ وعَلَا, فإن كانَ كذلكَ فلا بأسَ.
وأيضًا ليلةُ النِّصفِ مِنْ شعبان هكذا تَخْصِيصُهَا بالقيامِ شيءٌ لم يأتِ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من أصحابِهِ رضوان الله عليهم أجمعينَ.
وأمَّا صيامُ النِّصفِ فإنْ كانَ تَخْصِيصًا لِتَوَهُّمِ مزيدِ فضلٍ فهذا ابتداعٌ في دِينِ اللهِ ربِّ العالمينَ لم يأتِ به أَثَرٌ مِنْ كِتَابٍ ولا مِنْ سُنَّةٍ ولا مِنْ فعلِ صاحبٍ ولا إجماعِ أُمَّةٍ, وأمَّا إنْ كانَ يصومُ الخامسَ عَشَر مِنْ شهرِ شعبان على أنَّه مِنَ الأيامِ الغُرِّ البِيضِ فهذه بِذَاتِهَا قد وَرَدَ فيها النَّصُّ الصحيحُ, وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم حريصًا على أنْ يصومَ الأيامَ البِيض, فإنْ وَقَعَ هذا اليومُ في عادةِ مَنْ يصومُ الأيامَ الغُرَّ البِيضَ مِنْ كُلِّ شهرٍ هجريٍّ مباركٍ فهذا كذلك, وإلا فقد وَقَعَ في ابتداعٍ؛ إذ يحسبُ متوهمًا أنَّ النبيَّ حَضَّ على ذلك, وقد مَرَّ ذِكْرُ حالِ الحديثِ إذ هو حديثٌ مكذوبٌ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت ليلةُ النِّصفِ مِنْ شعبان فقوموا ليلَهَا, وصومُوا نهارَهَا». هذا كَذِبٌ مصنوعٌ مُخْتَلَقٌ موضوعٌ على نبيِّنَا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم. | |
|