روان المسك عضو مجتهد
عدد المساهمات : 176 نقاط : 6001 العمر : 38
| موضوع: الخشوع في الصلاة الجمعة أغسطس 07, 2009 7:00 am | |
| فضيلة العلامة د. صالح بن فوزان الفوزان :
الحمد لله رب العالمين ، أمرنا بالاستعانة بالصبر والصلاة ، على مشاق الحياة ، وأخبر أنها كبيرة إلا على الخاشعين ، ووصف المؤمنين بالخشوع في صلاتهم ، وجعل ذلك من صفاتهم ، فقال : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ . [ المؤمنون : 1 - 2 ] ، أحمده على عظيم فضله وإحسانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه ، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانه . أما بعد :
أيها الناس : اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن الخشوع في الصلاة هو روحها والمقصود منها ، وقد وصف الله به رسله والصالحين من عباده ؛ فقال : ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾ . [ الأنبياء : 90 ] ، وقال : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ . [ المؤمنون : 1 - 2 ] ، ووصف أهل العلم بخشيته والخشوع عند سماع كلامه ؛ فقال : ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ . [ فاطر : 28 ] ، وقال : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا . وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ . [ الإسراء : 107 - 109 ] .وأصل الخشوع : لين القلب وسكونه ، وخضوعه ، فإذا خشع القلب تبعه خشوع الجوارح والأعضاء ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) . [ متفق عليه ] ، ومتى تكلف الإنسان الخشوع في جوارحه وأطرافه مع عدم خشوع قلبه كان ذلك خشوع نفاق ، فقد نظر عمر - رضي الله عنه - إلى شاب قد نكس رأسه ؛ فقال : ( يا هذا ارفع رأسك فإن الخشوع ليس في الرقاب إن الخشوع لا يزيد على ما في القلب ) .
والخشوع الحاصل في القلب إنما يحصل من معرفة الله - عز وجل - ومعرفة عظمته ، فمن كان بالله أعرف كان له أخشع ، ومن أعظم الأسباب لحصول الخشوع تدبر كلام الله - عز وجل - فقد قال الله تعالى : ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ﴾ . [ الحشر : 21 ] ،
وقد وصف الله المؤمنين من علماء أهل الكتاب بالخشوع عند سماع هذا القرآن ؛ فقال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا . وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ . [ الإسراء : 107 - 109 ] ، وقد ذم الله من لا يخشع عند سماع كلامه ؛ فقال سبحانه : ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ . [ الحديد : 16 ] ، بل قد توعد الله أصحاب القلوب القاسية بقوله : ﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ . [ الزمر : 22 ] .
وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستعيذ بالله من قلب لا يخشع كما في الحديث الذي رواه مسلم : ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، وقلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن دعوة لا يستجاب لها ) . وقد شرع الله لعباده من أنواع العبادات ما يظهر فيه خشوع قلوبهم وأبدانهم ، ومن أعظم ذلك الصلاة ، وقد مدح الله الخاشعين فيها بقوله : ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ . [ المؤمنون : 1 - 2 ] .قال مجاهد : ( كان العلماء إذا قام أحدهم في الصلاة هاب الرحمن - عز وجل - أن يشذ نظره ، أو يلتفت ، أو يقلب الحصى ، أو يبعث بشيء ، أو يحدث نفسه في أمر الدنيا إلا ناسيًا ما دام في صلاته ) . وفي " صحيح مسلم " عن عثمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ما من قبلها من الذنوب ، ما لم تؤت كبيرة وذلك الدهر كله ) .
عباد الله : وللخشوع في الصلاة أسباب من أعظمها : استحضار العبد عظمة ربه الذي هو واقف بين يديه ، وأنه قريب منه يراه ويسمعه ويطلع على ما في قلبه وضميره ، فيستحي من ربه - عز وجل - . ومن أسباب الخشوع في الصلاة : وضع اليدين إحداهما على الأخرى ، بأن يضع اليمنى على اليسرى ويجعلهما فوق صدره ، ومعنى ذلك الذل والانكسار بين يدي الله - عز وجل - ؛ فقد سئل الإمام أحمد - رحمه الله - عن المراد بذلك ؛ فقال : ( هو ذل بين يدي عزيز ) .
ومن أسباب الخشوع في الصلاة : قطع الحركة والعبث وملازمة السكون ، ولهذا لما رأى بعض السلف رجلاً يعبث بيده في الصلاة قال : ( لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ) ، وروى ذلك مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبعض الناس إذا قام في الصلاة يتململ ويحرك يديه ورجليه ويعبث بلحيته وأنفه ، حتى إنه يؤذي من بجواره وهذا مما يدل على عدم الخشوع في الصلاة . ومن أسباب الخشوع في الصلاة : إحضار القلب فيها وعدم انشغاله بهموم الدنيا وأعمالها ، وأن يقبل بقلبه على الله - عز وجل - ولا يشتغل بغير صلاته ، وقد جاء النهي عن الالتفات في الصلاة . قال العلماء : والالتفات في الصلاة نوعان :
أحدهما : التفات القلب عن الله - عز وجل - بأن ينصرف إلى الدنيا وأشغالها ولا يتفرع لربه ، وفي " صحيح مسلم " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في فضل الوضوء وثوابه قال : ( فإن هو قام وصلى فحمد الله ، وأثنى عليه ومجده بالذي هو أهله وفرغ قلبه انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه ) . النوع الثاني : الالتفات بالنظر يمينًا وشمالاً ، والمشروع قصر النظر على موضع سجوده لأن ذلك من لوازم الخشوع ويقطع عنه الاشتغال بالمناظر التي حوله ، وفي " صحيح مسلم " عن عائشة - رضي الله عنها - : ( سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة ؛ فقال : هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ) . وخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث الحارث الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أن الله أمر يحيى بن زكريا - عليهما السلام - بالصلاة ؛ فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت ؛ فإذا صليتم فلا تلتفتوا ) . وروى الإمام أحمد - أيضًا - من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يزال الله مقبلاً على العبد في صلاته ما لم يلتفت ، فإذا التفت انصرف عنه ) . عباد الله : إن الصلاة في كل ما يفعل فيها خضوع لله - عز وجل - كالقيام والركوع والسجود ، وما يقال في هذه الأحوال من الأذكار ، قال الله تعالى : ﴿ وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ ﴾ . [ البقرة : 238 ] ، وقال : ﴿ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ . [ البقرة : 43 ] ؛ لأن الركوع خضوع لله وذل بين يديه بظاهر الجسد ، وقد أبى المتكبرون أن يركعوا فتوعدهم الله بقوله : ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ . وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ﴾ . [ المرسلات : 42 ] . ومن ذلك السجود ، وهو أعظم ما يظهر فيه ذل العبد لربه - عز وجل - حيث جعل العبد أشرف أعضائه وأعزها عليه وأعلاها عليه أوضع ما يكون بين يدي ربه ، فبعضه في التراب متعفرًا ، ويتبع ذلك انكسار القلب وتواضعه وخشوعه لله - عز وجل - ، ولهذا كان جزاء المؤمن إذا فعل ذلك أن يقربه الله إليه ، ( فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ، كما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قال الله - عز وجل - لنبيه : ﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ . [ العلق : 19 ] ، وقد استكبر إبليس عن السجود فباء باللعنة والصغار ، وأبى المشركون والمنافقون عن السجود واستكبروا عنه ، فتوعدهم الله - عز وجل - بأن يحرمهم من السجود يوم القيامة عند لقائه ، لما أبو أن يسجدوا له في الدنيا . قال تعالى : ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ . [ القلم : 42 - 43 ] ، روى البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا ) . قال الإمام ابن كثير : ( وهذا الحديث مخرج في " الصحيحين " وفي غيرهما من طرق وله ألفاظ وهو حديث طويل مشهور ) . ومن تمام خشوع العبد في ركوعه وسجوده : أنه إذا ذل لربه بالركوع والسجود وصف ربه حينئذ بصفات العز والكبرياء والعظمة والعلو ، فكأنه يقول : الذل والتواضع وصفي ، والعلو والعظمة والكبرياء وصفك ، ولهذا شرع للعبد في ركوعه أن يقول : ( سبحان ربي العظيم ) ، وفي سجوده : ( سبحان ربي الأعلى ) . أيها المسلمون : إن التأمل في أسرار الصلاة وفوائدها مما يسهل على العبد أداءها ويجعله متلذذًا بها ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( جعلت قرة عيني في الصلاة ) ، وقد قال الله تعالى : ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ . [ البقرة : 45 ] . وقال تعالى : ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ﴾ . [ البقرة : 45 ] . وقال تعالى : ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ ﴾ . [ العنكبوت : 45 ] ، لكن حينما يغفل العبد عن فوائد الصلاة وأسرارها تصبح ثقيلة عليه . وإذا دخل فيها كأنه في سجن حتى يخرج منها . ولهذا تكثر رغبة في الدخول فيها ، وإنما يصلي من باب العادة أو المجاملة . فاتقوا الله - عباد الله - في صلاتكم ؛ فإنها عمود الإسلام ، وتنهى عن الفحشاء والآثام ، وهي آخر ما أوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - عند خروجه من الدنيا وآخر ما يفقد من الدين ، فليس بعد فقد الصلاة دين . المصدر :http://www.sahab.net/home/index.php?Site=News&Show=711 | |
|